close

بيرج فازليان

Date of death: Thursday, 18 February 2016

Number of Readers: 120

Known asبرج فازليان

Specialtyمخرج مسرحي

Date of birth 1 January 2016

Date of death18 February 2016

لم يكن لبرج فازليان وطن. كانت له أوطان. هذا الأرمني التائه الذي كان شريكاً أساسيّاً في صنع حداثة بيروت الستينيات، وما اصطلح على تسميته «العصر الذهبي» للمسرح اللبناني والعربي، جاء متأخّراً إلى المدينة مطلع الخمسينيات، بعدما نصحه محسن آرطغول أستاذه في «أكاديمية المسرح الخاصة»، وهو تلميذ ستانيسلافسكي ومؤسس المسرح التركي الحديث، بأن يغادر إسطنبول التي لم يعد له خبز فيها! هكذا جاء إلى بيروت بـ«بخيل» موليير التي كان مارون النقاش قبل أقل من قرن قد بدأ بها تاريخ المسرح المشرقي.
لم يلبث برج فازليان (1926 ــ 2016) يتردد إلى صفوف الجماهير الشعبية. ابن العائلة الميسورة، امتلك القوة اللازمة لكي يشتري حياته، لأكثر من مرة. تحت هدوء الرجل عرق كثير، خوف كثير، نضال كثير، حياة عمّدها بحب الحياة. يروي الرواة أنه ما فكر في كسر الطوق الحديدي في اسطنبول، إلا بعدما أكد له أحد الأساتذة في كلية الفنون أن لا ضمان بعد. لا ورقة تكفل حياة الأرمني، الطويل القامة، ذي الجاذبية الناضجة. في كلام الأستاذ نكهة الموت. خبأ الفتى الموت تحت جلده، ومضى على ثقافة الحياة ــ عبر الموت ــ إلى الحياة الجديدة. يروي الرواة، وبرج على رأس الرواة هؤلاء، أنه ترك عباءة المسرح هناك. ترك ثيابه الفاخرة. وحين سافر على حمار من تركيا إلى سوريا، في الجبال والأودية، أضحى الصبي القادم من عالم الغرب. أكل فاكهة الهواء وشعب الطرقات. وإذ وصل إلى الحدود اللبنانية، وجد نفسه في مدينة من الشعر. النزول في بيروت منزلة، قال لي. دونت سيرته كاملة في «هم» (دار الآداب). روى صلته بالمسرح والحياة وكتبت ما روى. مسرحي شعب وطبقة.
جهز للرحلة مع بعض أرمن بيروت. وجدهم كاللسان في انتظاره في العاصمة. مذّاك، راح حضوره يرتفع. كما ارتفع صوته الجهوري. صوت صرف، ساهم صاحبه في كتابةِ سوناتات المسرح في لبنان. في التسعين، قرر رجل القوى الكامنة، الرحيل عن بيروت، بدون أن يتفق مع أرمن عاصمة أخرى. ترك متاعه خلفه، كشعره الطويل، غير عابئ بآلاف الأفئدة المفجوعة بالرحيل. غادر أبرز عراة الإعلام، عاري البدن، إلى بلاد الكسوة الآخرة، كما تفعل الأشهر، شهراً بعد شهر. أبرز عراة الإعلام، لأن الإعلام لم يف برج فازليان حقه، لأنه ليس صاحب زمن هجومي ثقيل. وجدوه على الحياد بين الفجر والمساء. تركوه هناك، حين راحوا يبرقون على الآخرين الواقفين على تخوم ما لا تجدي صلاة معه. تركه الإعلام كغريب في عهدة غرباء. إلا أنه بعظامه، الأقرب إلى خشخشة الرعد، انتصب كصبيحة، لم تلبث أن أعلنت بغضها لكل حب مأجور. لم يُدجَّن الرجل بسطوة مولى ولا قائد ولا زعيم. وإذ اهتزت الهندسة المعمارية للبنان الكوسموبوليتي، حلم بكتابة عهوده الجديدة في كندا. ما افتخر يوماً بالهجرة، ولو أنه وجد الهجرة عقلاً ثانياً في مواجهة الحرب وأمراء الحرب وتصاعد الفوضى في الكوسموس المحلي المتداعي. أنشأ إذاعة هناك. بقي في كندا طويلاً، لأنه ما أراد أن يبحر على متون سفن الهرطقة المحاربة. إلا أن غشاء قلبه، بقي هو هو، بدغشه الذهبي. قضت الإقامة الجديدة على كل الأحلام برؤية باطن فجر اللغة العربية، على لسان الرجل الطري. لم يتكلم العربية، لا لأنه وجد فيها الشر الكامن، بل لأنه استصعب ما نسبه إلى علم ميكانيك الروح. وإذ عاد، لم يجد جداوله السمفونية إلا باللغة الفرنسية. العربية لغة الحب المفقود. الفرنسية لغة التحليقات. ضحك، كرئيس دير، حين نبهته إلى أنه لا يزال في الخطوة الأولى، في الصنيع الوحشي الأول للغة العربية. مسلح بالفرنسية، نام الرجل وأفاق على اليقين الأول الخاص به. أن لا بر له إلا بر أرمينيا، وأن طلقته النارية المتواصلة هي فرنكوفونيته، وأن لا جسور في حياته إلا جسور المسرح. المسرح عتاده. لا شيء إلا المسرح وبعض الأصدقاء، لا أولهم جلال خوري ولا آخرهم جيرار خاتشريان وأسامة العارف.
لطمة صحوه في المسرح، بعد العديد من الأعمال الأشبه بالتيارات المائية، «الزنزلخت». لم يمل حضوره على المسرحية ــ العلامة. لجم ممثلو المسرحية خطو عصام محفوظ في إخراجها. جاؤوا، إثر ذلك، إلى برج فازليان. دقوا بابه عليه. وحين استشعر النواح الطويل في وجوه القاصدين، منهم فيليب عقيقي وريمون جبارة، غرز فازليان عينيه بالنص. وقف بحزم في قلبه. ترك خيطان المسرحية في فضائه، كما يفعل طفل بطائرته الورقية.
Al-Akhbar

Source: Al-Akhbar

Messages of Condolences

No messages, be the first to leave a message.

Send a Message of Condolences to بيرج فازليان

You must